فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{يوم نجمعكم} بالنون: رويس. الباقون: على الغيبة {نكفر} و{ندخله} بالنون فيهما: أبو جعفر ونافع وابن عامر والمفضل. الآخرون: على الغيبة.

.الوقوف:

{وما في الأرض} ط لاختلاف الجملتين {وله الحمد} ط النوع اختلاف وهو تقديم الخبر على المبتدأ في الأوّل {قدير} o {مؤمن} ط {بصير} o {صوركم} ج لعطف المختلفين {المصير} o {تعلنون} o {الصدور} o {من قبل} ط لتناهي الاستفهام إلى الإخبار مع صدق الاتصال بالفاء {أليم} o {يهدوننا} o لاعتراض الاستفهام بين المتفقين {الله} ط {حميد} o {يبعثوا} ط {عليم} o {يسير} o {أنزلنا} ط {خبير} o {التغابن} ط {أبدا} ط {العظيم} o {فيها} ط {المصير} o {بإذن الله} ط {قلبه} ط {عليم} o {الرسول} ج ط {المبين} o {إلا هو} ط {المؤمنون} o {فاحذروهم} ج {رحيم} o {فتنة} ط {عظيم} o {لأنفسكم} ط {المفلحون} o {ويغفر لكم} ط {حليم} o لا {الحكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ لهُ الْمُلْكُ ولهُ الْحمْدُ}
وجه التعلق بما قبلها ظاهر لما أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين وهذه السورة للمنافقين الصادقين، وأيضا تلك السورة مشتملة على بطالة أهل النفاق سرا وعلانية، وهذه السورة على ما هو التهديد البالغ لهم، وهو قوله تعالى: {يعْلمُ ما فِي السموات والأرض ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون والله علِيمُ بِذاتِ الصدور} وأما الأول بالآخر فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما مر، وفي أول هذه إشارة إلى أنهم إن أعرضوا عن الذكر والشكر، قلنا: من الخلق قوم يواظبون على الذكر والشكر دائما، وهم الذين يسبحون، كما قال تعالى: {يُسبّحُ لله ما فِي السموات وما فِي الأرض}، وقوله تعالى: {لهُ الملك ولهُ الحمد} معناه إذا سبح لله ما في السموات وما في الأرض فله الملك وله الحمد، ولما كان له الملك فهو متصرف في ملكه والتصرف مفتقر إلى القدرة فقال: {والله على كُلّ شيْء قدِيرٌ} وقال في (الكشاف): قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على معنى اختصاص الملك والحمد بالله تعالى وذلك لأن الملك في الحقيقة له لأنه مبدئ لكل شيء ومبدعه والقائم به والمهيمن عليه، كذلك الحمد فإن أصول النعم وفروعها منه، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء، وحمده اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده، وقوله تعالى: {وهُو على كُلّ شيْءٍ قدِيرٌ} قيل: معناه وهو على كل شيء أراده قدير، وقيل: قدير يفعل ما يشاء بقدر ما يشاء لا يزيد عليه ولا ينقص.
وقد مر ذلك.
وفي الآية مباحث:
الأول: أنه تعالى قال في الحديد: {سبّح} [الحديد: 1] والحشر والصف كذلك، وفي الجمعة والتغابن {يُسبّحُ لله} فما الحكمة فيه؟ نقول: الجواب عنه قد تقدم.
البحث الثاني:
قال في موضع: {سبّح لله ما فِي السموات وما فِي الأرض} [الحشر: 1] وفي موضع آخر {سبّح لله ما فِي السموات والأرض} [الحديد: 1] فما الحكمة فيه؟ قلنا: الحكمة لابد منها، ولا نعلمها كما هي، لكن نقول: ما يخطر بالبال، وهو أن مجموع السموات والأرض شيء واحد، وهو عالم مؤلف من الأجسام الفلكية والعنصرية، ثم الأرض من هذا المجموع شيء والباقي منه شيء آخر، فقوله تعالى: {يُسبّحُ لله ما فِي السموات وما فِي الأرض} بالنسبة إلى هذا الجزء من المجموع وبالنسبة إلى ذلك الجزء منه كذلك، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال، قال تعالى في بعض السور كذا وفي البعض هذا ليعلم أن هذا العالم الجسماني من وجه شيء واحد، ومن وجه شيئان بل أشياء كثيرة، والخلق في المجموع غير ما في هذا الجزء، وغير ما في ذلك أيضا ولا يلزم من وجود الشيء في المجموع أن يوجد في كل جزء من أجزائه إلا بدليل منفصل، فقوله تعالى: {سبّح لله ما فِي السموات وما فِي الأرض} على سبيل المبالغة من جملة ذلك الدليل لما أنه يدل على تسبيح ما في السموات وعلى تسبيح ما في الأرض، كذلك بخلاف قوله تعالى: {سبّح لله ما فِي السموات والأرض}.
{هُو الّذِي خلقكُمْ فمِنْكُمْ كافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ والله بِما تعْملُون بصِيرٌ (2)}
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه تعالى خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا، وقال عطاء: إنه يريد فمنكم مصدق، ومنكم جاحد، وقال الضحاك: مؤمن في العلانية كافر في السر كالمنافق، وكافر في العلانية مؤمن في السر كعمار بن ياسر، قال الله تعالى: {إِلاّ منْ أُكْرِه وقلْبُهُ مُطْمئِنٌّ بالإيمان} [النحل: 106] وقال الزجاج: فمنكم كافر بأنه تعالى خلقه، وهو من أهل الطبائع والدهرية، ومنكم مؤمن بأنه تعالى خلقه كما قال: {قُتِل الإنسان ما أكْفرهُ مِنْ أيّ شيْء خلقهُ} [عبس: 17، 18] وقال: {أكفرْت بالذي خلقك مِن تُرابٍ ثُمّ مِن نُّطْفةٍ} [الكهف: 37] وقال أبو إسحاق: خلقكم في بطون أمهاتكم كفارا ومؤمنين، وجاء في بعض التفاسير أن يحي خلق في بطن أمه مؤمنا وفرعون خلق في بطن أمه كافرا، دل عليه قوله تعالى: {إِنّ الله يُبشّرُك بيحيى مُصدّقا بِكلِمةٍ مّن الله} وقوله تعالى: {والله بِما تعْملُون بصِيرٌ} أي عالم بكفركم وإيمانكم اللذين من أعمالكم، والمعنى أنه تعالى تفضل عليكم بأصل النعم التي هي الخلق فانظروا النظر الصحيح وكونوا بأجمعكم عبادا شاكرين، فما فعلتم مع تمكنكم بل تفرقتم فرقا فمنكم كافر ومنكم مؤمن وقوله تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق} أي بالإرادة القديمة على وفق الحكمة، ومنهم من قال: بالحق، أي للحق، وهو البعث، وقوله: {وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ} يحتمل وجهين أحدهما: أحسن أي أتقن وأحكم على وجه لا يوجد بذلك الوجه في الغير، وكيف يوجد وقد وجد في أنفسهم من القوى الدالة على وحدانية الله تعالى وربوبيته دلالة مخصوصة لحسن هذه الصورة وثانيهما: أن نصرف الحسن إلى حسن المنظر، فإن من نظر في قد الإنسان وقامته وبالنسبة بين أعضائه فقد علم أن صورته أحسن صورة وقوله تعالى: {وإِليْهِ المصير} أي البعث وإنما أضافه إلى نفسه لأنه هو النهاية في خلقهم والمقصود منه، ثم قال تعالى: {وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ} لأنه لا يلزم من خلق الشيء أن يكون مصورا بالصورة، ولا يلزم من الصورة أن تكون على أحسن الصور، ثم قال: {وإِليْهِ المصير} أي المرجع ليس إلا له، وقوله تعالى: {يعْلمُ ما فِي السموات والأرض ويعْلمُ ما تُسِرُّون وما تُعْلِنُون والله علِيمُ بِذاتِ الصدور} نبه بعلمه ما في السموات والأرض، ثم بعلمه ما يسره العباد وما يعلنونه، ثم بعلمه ما في الصدور من الكليات والجزئيات على أنه لا يخفى عليه شيء لما أنه تعالى لا يعزب عن علمه مثقال ذرة ألبتة أزلا وأبدا.
وفي الآية مباحث:
الأول: أنه تعالى حكيم، وقد سبق في علمه أنه إذا خلقهم لم يفعلوا إلا الكفر، والإصرار عليه فأي حكمة دعته إلى خلقهم؟ نقول: إذا علمنا أنه تعالى حكيم، علمنا أن أفعاله كلها على وفق الحكمة، وخلق هذه الطائفة فعله، فيكون على وفق الحكمة، ولا يلزم من عدم علمنا بذلك أن لا يكون كذلك بل اللازم أن يكون خلقهم على وفق الحكمة.
الثاني: قال: {وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ} وقد كان من أفراد هذا النوع من كان مشوه الصورة سمج الخلقة؟ نقول: لا سماجة ثمة لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب فلانحطاط بعض الصور عن مراتب ما فوقها انحطاطا بينا لا يظهر حسنه، وإلا فهو داخل في حيز الحسن غير خارج عن حده.
الثالث: قوله تعالى: {وإِليْهِ المصير} يوهم الانتقال من جانب إلى جانب، وذلك لا يمكن إلا أن يكون الله في جانب، فكيف هو؟ قلت: ذلك الوهم بالنسبة إلينا وإلى زماننا لا بالنسبة إلى ما يكون في نفس الأمر، فإن نفس الأمر بمعزل عن حقيقة الانتقال من جانب إلى جانب إذا كان المنتقل إليه منزها عن الجانب وعن الجهة. اهـ.

.قال القرطبي:

{يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ لهُ الْمُلْكُ ولهُ الْحمْدُ} تقدم في غير موضع.
{هُو الّذِي خلقكُمْ فمِنْكُمْ كافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ والله بِما تعْملُون بصِيرٌ (2)}.
قال ابن عباس: إن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، ويعيدهم في يوم القيامة مؤمنا وكافرا.
وروى أبو سعيد الخُدْرِيّ قال: خطبنا النبيّ صلى الله عليه وسلم عشِيّة فذكر شيئا مما يكون فقال: «يولد الناس على طبقات شتىّ.
يولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت مؤمنا.
ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت كافرا.
ويولد الرجل مؤمنا ويعيش مؤمنا ويموت كافرا.
ويولد الرجل كافرا ويعيش كافرا ويموت مؤمنا»
.
وقال ابن مسعود: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «خلق الله فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا» وفي الصحيح من حديث ابن مسعود: «وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبِق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها.
وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع أو باع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها»
خرّجه البخاري والترمذي وليس فيه ذكر الباع.
وفي صحيح مُسْلم عن سهل بن سعد السّاعديّ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبْدُو للناس وهو من أهل النار.
وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة»
.
قال علماؤنا: والمعنى تعلّق العلم الأزلي بكل معلوم؛ فيجري ما علم وأراد وحكم.
فقد يريد إيمان شخص على عموم الأحوال، وقد يريده إلى وقت معلوم.
وكذلك الكفر.
وقيل في الكلام محذوف: فمنكم مؤمن ومنكم كافر ومنكم فاسق؛ فحذف لما في الكلام من الدلالة عليه؛ قاله الحسن.
وقال غيره: لا حذف فيه؛ لأن المقصود ذكر الطرفين.
وقال جماعة من أهل العلم: إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا.
قالوا: وتمام الكلام {هُو الذي خلقكُمْ}.
ثم وصفهم فقال: {فمِنكُمْ كافِرٌ ومِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} كقوله تعالى: {والله خلق كُلّ دآبّةٍ مِّن مّاءٍ فمِنْهُمْ مّن يمْشِي على بطْنِهِ} [النور: 45] الآية.
قالوا: فالله خلقهم، والمشْي فعلهم.
واختاره الحسين بن الفضل، قال: لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله: {فمِنكُمْ كافِرٌ ومِنكُمْ مُّؤْمِنٌ}.
واحتجوا: بقوله عليه الصلاة والسلام: «كل مولود يولد على الفِطرة فأبواه يُهوِّدانه ويُنصِّرانه ويُمجِّسانه» الحديث.
وقد مضى في (الروم) مستوفى.
قال الضحاك: {فمنكم كافر} في السِّر مؤمن في العلانية كالمنافق، {ومنكم مؤمن} في السِّر كافر في العلانية كعمّار وذوِيه.
وقال عطاء بن أبي رباح: {فمنكم كافر} بالله مؤمن بالكواكب؛ {ومنكم مؤمن} بالله كافر بالكواكب؛ يعني في شأن الأنواء.
وقال الزجاج وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة: إن الله خلق الكافر، وكُفْرُه فِعْلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الكفر.
وخلق المؤمن، وإيمانه فعلٌ له وكسب؛ مع أن الله خالق الإيمان.
والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه.
ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه؛ لأن وجود خلاف المقدور عجْزٌ، ووجود خلاف المعلوم جهْلٌ، ولا يلِيقان بالله تعالى.
وفي هذا سلامة من الجبر والقدر؛ كما قال الشاعر:
يا ناظرا في الدِّين ما الأمْرُ ** لا قدْرٌ صحّ ولا جبْرُ

وقال سِيلان: قدِم أعرابي البصرة فقيل له: ما تقول في القدر؟ فقال: أمرٌ تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون؛ فالواجب أن نرُدّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.
قوله تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق}
تقدّم في غير موضع؛ أي خلقها حقا يقينا لا ريب فيه.
وقيل الباء بمعنى اللام؛ أي خلقها للحق؛ وهو أن يجْزِي الذين أساءوا بما عمِلوا ويجزي الذين أحسنوا بالحُسْنى.
{وصوّركُمْ فأحْسن صُوركُمْ} يعني آدم عليه السلام، خلقه بيده كرامة له؛ قاله مقاتل.
الثاني جميع الخلائق.
وقد مضى معنى التصوير، وأنه التخطيط والتشكيل.
فإن قيل: كيف أحسن صورهم؟ قيل له: جعلهم أحسن الحيوان كله وأبهاه صورة؛ بدليل أن الإنسان لا يتمنّى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصُّور.
ومن حسن صورته أنه خلق منتصبا غير منكب؛ كما قال عز وجل: {لقدْ خلقْنا الإنسان في أحْسنِ تقْوِيمٍ} على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
{وإِليْهِ المصير} أي المرجع؛ فيجازِي كلاّ بعمله. اهـ.